الثلاثاء، 4 أكتوبر 2011

الزراعة هى مهنة الفطرة .. 
لذلك تجد جميع فئات المجتمع كالمدرس والطبيب والمحامى والمهندس والتاجر والعامل ..كل هذه المهن تحب مهنة الزراعة حتى وإن لم يمارسوها .فالاشجار على الطرق وفى الشوارع والمسطحات الخضراء والحدائق والنباتات التى فى المنازل وكذلك الحقول المنزرعة بالمحاصيل وأشجار الفاكهة ..كل هذا يدخل البهجة فى النفس البشرية والاحساس بجمال الطبيعة والكون الذى هو من صنع الله سبحانه وتعالى ..لذلك تجد الجميع يحب الزراعة كفطرة بصرف النظر عن دورهم أو وظائفهم فى المجتمع ويتطلع الكثير حتى وان كان غير متخصص فى إمتلاك قطعة من الارض كى يقوم بزراعتها وجنى ثمار إنتاجها. 
فاصبح الاتجاه الحتمى للاراضى الصحراوية من حولنا بعد أن ضاقت بنا أراضى الوادى والدلتا.ولكن الامر يختلف هنا فى التعامل مع الصحراء كاستثمار لوجود نسبة كبيرة من المخاطرة.. وقد أشرنا قبل ذلك فى هذا المنتدى الى مفهوم زراعة الصحراء وكيفة التعامل مع هذه الاراضى والتى تشكل السواد الأعظم للأراضى المصرية ..
لذا لابد قبل الاتجاه الى الصحراء عمل دراسة الجدوى الاقتصادية Feasibility Study وهى دراسة ضرورية تسبق القيام بأى مشروع ما وترجع أهميتها فى مشاريع إستصلاح الاراضى أن دورة رأس المال فى المشاريع الزراعية المنتجة بطيئة وتصبح أبطا فى فى مشاريع الاستصلاح. 
فاذا أثبتت الدراسة إقتصادية المشروع وصلاحيته فلابد من توفر مصدر للمياه الصالحة ومصدر مضمون للتمويل.
ويجرى التقييم الاقتصادى على أساس أن قيمة أراضى المشروع عند بداية مرحلة الاستصلاح لاتساوى صفر برغم عدم إستغلالها وزراعتها بعد ، وأيضا يحسب عمر المشروع فى الدراسة لفترة 30سنة على الأقل ..ويشمل مشروع إستصلاح وإستزراع الأراضى الصحراوية عدة مراحل تقدر فيها قيمة الاستثمارات وتكاليف التشغيل وكذلك قيمة العائد فى كل مرحلة من هذه المراحل ويجب أن نعلم بانها مراحل متعاقبة وقد تكون متداخلة لكنها فى النهاية جميعها مكلفة لذلك لابد من الحرص الشديد عند إختيارالمنطقة كمرحلة أولى للاستثمار
ونأتى الآن لمناقشة هذه المراحل باختصار وبناء على دراسات تمت فى هذا الشأن
أولا: مرحلة الاختيار 
وهى من المراحل الهامة فى المشروع وهى باختصار شديد مرحلة تكون
سهلة للشخص المقلد وصعبة للشخص المتفهم والمدرك.
وتشمل هذه المرحلة تكاليف الدراسات الاولية حول إختيار الموقع المقترح باعتباره جزءا لايتجزأ من المنطقة المقترحة . ويعتبر هذا الاختيار على درجة كبيرة من الاهمية كما تقدم لاعتبارات إقتصادية وإجتماعية ونفسية . 
ونبدأ بالاعتبارات الافتصادية والتى تتمثل باختصار شديد فى
نوعية المياه وأعماقها وأيضا نوعية التربة ودرجة الطبوغرافيا لها .. وتجدر الاشارة الى أنه تعطى الأفضلية للمياه الاكثر صلاحية وكذلك للأراضى الرملية والسلتية وأخيرا الاراضى الجيرية.
أيضا يؤخذ فى الاعتبار ظروف المناخ بالمنطقة حيث يفضل المناطق الساحلية أو الشمالية نظرا لاعتدال مناخها ووجود كمية من الامطار وأيضا نسبة من الرطوبة فى الهواء وكذلك المناطق التى لاتتعرض للرياح بكثرة خصوصا فى الاماكن المكشوفة والتى لم يكتمل عمرانها بعد
كذلك من الاهمية بمكان مدى توافر جزء من البنية الاساسية خاصة قرب أو بعد الموقع المقترح من شبكات الكهرباء والطرق الرئيسية والفرعية وكذلك نظام ملكية الارض ومدى خلوها من مشاكل وضع اليد وأيضا ظروف توافر العمالة . بالاضافة الى جزئية هامة وهى إمكانيات التسويق.
ومن المفترض أن يتم إختيار الموقع بناء على نوع التربة ونوع المياه ومدى توافرها وبرغم ان هناك عناصر كثيرة أخرى تدخل فى الاختيار للموقع كالتميز النسبى لجغرافية الموقع ومدى توفر البنية الاساسية ووجود مصدر قريب للطاقة .
إلا انه فى حقيقة الامر يظل مدى توفر عنصر المياه وتكاليف رفعه هما العامل المؤثر فى تقدير أسبقية اختيار منطقة دون أخرى. أما مدى ملائمة التربة ذاتها فقد تأتى بعد ذلك أو فى ذيل قائمة الاختيار.
وناتى الآن للاعتبارات الاجتماعية والتى تتمثل فى الادارة المزرعية السليمة والتى تتطلب العمالة المدربة تكنولوجيا مع تدبير وسائل الاقامة والاعاشة والخدمات الحضارية اللازمة لها .. وتحت كل الظروف تفضل المواقع الغير بعيدة عن مراكز توفير الخدمات
ثم نأتى أيضا للاعتبارات النفسية والتى تتمثل فى سؤال هام وهو
مدى إرتباط المالك بالارض؟
وهل ستكون داخل دائرة إهتمامه خاصة وإنه يتعامل مع الصحراء التى لايفيد معها الا الاسلوب العلمى لحل المشاكل؟.
وكذلك مدى الاستعداد النفسى لصاحب المشروع لتطوير المزرعة والتخصص فى الانتاج؟
لذلك فان هذه الاعتبارات لابد ان تؤخذ فى الحسبان فى مرحلة إختيار المنطقة وللموقع الذى سوف تعقد عليه الآمال كوعاء للاسثمار طويل الاجل. فتجد ان كثير من الناس تريد السفر للخارج كنوع من الهجرة الخارجية لجمع الكثير من المال لكنك عندما تريد السفر للصحراء كنوع من الهجرة الداخلية فاعلم أنك سوف تنفق الكثير من المال.. فشتان بين الهجرتين!!!
ولهذا لايجب أن يكون القرار متسرعا أو عاطفيا أو تقليد لقريب أو صديق ما أو مجرد أنك ترغب فى إمتلاك الارض فحسب !! فكل هذه الامور قد تكون عوامل وظروف مقبولة ولها وجاهتها فى معظم المشروعات إلا فى مشروعات الاستصلاح والاستزراع فى الصحراء. لذا يجب مراعاة الدقة التامة والدراسة المتأنية للاختيار بين البدائل طبقا للاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية سالفة الذكر.
ولذلك من الاهمية بمكان أن يستفتى فى ذلك المتخصصين والخبراء فى هذا المجال.
وتقدر تكاليف الفدان فى هذه المرحلة فى المتوسط بحوالى 50 جنيه
العائد المتوقع من هذه المرحلة هو البعد عن الفشل والمشاكل وتجنب التدهور. 
ثانيا: مرحلة الانشاء
وهى تشمل الشق الانشائى لمشروع الاستصلاح.
والاستثمارات فى هذه المرحلة هى تكاليف البنية للمشروع ويحتاج تنفيذها الى حوالى سنة. 
وتشمل:
قيمة ثمن الارض للدولة وكذلك قيمة وضع اليد إن وجد.. وكذلك الدراسات الأولية والطرق والكهرباء والبئر والطلمبة والانشاءات المدنية مثل المخازن والمبانى كاستراحة وغيرها
وقد تصل التكلفة للفدان فى هذه المرحلة الى حوالى من 2000 الى 4000 جنيه
العائد المتوقع من هذه المرحلة = صفر
ثالثا: مرحلة الاستصلاح
وتشمل إستثمارات هذه المرحلة تكاليف كل من شبكة الرى والجرار والمقطورة والمكائن والأسمدة العضوية والتجهيز للزراعة
وقد تصل التكلفة للفدان فى هذه المرحلة الى حوالى من 1000 الى 2000 جنيه
العائد المتوقع من هذه المرحلة = صفر ايضا
رابعا: مرحلة الاستزراع
وتشمل هذه المرحلة الشتلات والبذور والمعدات - تكاليف الرى - الوقود- الصيانة والتشغيل -العمال وباقى متطلبات الانتاج.
وتستمر هذه المرحلة لمدة 3 سنوات.
وفى هذه المرحلة يرتفع العائد من زراعة الخضروات والمحاصيل تدريجيا لتغطى كافة المصروفات والربح أيضا ..علما بأن الزراعة البستانية مازالت فى طور النمو ولم تثمر بعد فىهذه المرحلة ولذلك فهى تستهلك تقريبا أغلب الربح العائد من الزراعة الحقلية.
ونود أن ننوه الى نقطة هامة جدا فى هذه المرحلة وهى أنه لابد أن تعتمد فى هذه الفترةعلى مصدرتمويل مضمون وبالتأكيد ليس حضرتك.. وإنما يتم إقامة مشروع سريع (كالخضر-الصوب-الانتاج الحيوانى سواء لحم أبيض أو لحم أحمر) يتم من خلاله الصرف والانفاق على مشروع بطيىء كالاشجار البستانية .. لأن هذه الفترة فى حقيقة الامر هى فترة إختناق وهى بالضرورة تكون موجودة لكنها تنتهى بالطبع بعد أن ينمو المشروع ويكبر ويعطى العائد المرجو منه.
لذا فالزراعة الصحراوية لاتصلح للمقترض لكنها تصلح للمستثمر الذكى.
والعائد المتوقع خلال هذه المرحلة حوالى 1000جنيه للفدان أو أكثر حيث بهذا يكون المشروع قد تخطى المرحلة الحدية للانتاج.
خامسا: مرحلة الزراعة الاقتصادية
وتشمل هذه المرحلة نفس تكاليف المرحلة السابقة فيما عدا بند الشتلات والبذور والمعدات.. وفى هذه المرحلة تبدأ أشجار الفاكهة مرحلة الانتاج وفيها يتزايد المحصول تدريجيا طالما كانت الادارة المزرعية جيدة وسليمة
وتستمر هذه المرحلة لمدة 5 سنوات.
وفى هذه المرحلة أيضا يرتفع العائد تدريجيا حتى يصل الى النهاية العظمى وبعدها يصبح العائد شبه تابت تقريبا 
سادسا: مرحلة الانتاجية القصوى
وهذه المرحلة يصل إليها المشروع بعد حوالى 8 سنوات من بداية مرحلة الاستصلاح والاستزراع حيث قد تكون تحسنت خواص التربة وإكتمل نمو وإثمارالاشجار البستانية ودخلت مرحلة الانتاجية الكاملة 
أما شبكة الرى فهى تحتاج فى هذه المرحلة الى إحلال وتجديد نظرا لانتهاء أغلب عمرها الافتراضى.
وأتمنى من الله سبحانه وتعالى أن أكون قد وفقت فى توضيح الرؤية لمن يرغب فى غزو الصحراء بمهنة الفطرة
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق